Friday, May 27, 2005

الفنان احمد البصري: احلام الاطفال.. امنيات الكبار

Painting of Ahmed
هل صحيح اننا ننسى احلامنا الصغيرة عندما نكبر؟ اذا لماذا نحن دوما الى ايام الطفولة؟ لعل جزءا مهما من شخصية الانسان ترتسم ملامحه في فترة الطفولة، لكن احلام الطفولة تبقى على الدوام الركن الذي نلجأ اليه حينما تضيق بنا الحياة، او ترهقنا مسؤولية العيش كبالغين.
وهذا هو بالضبط ما يسعى الفنان الشاب احمد البصري الى تجسيده في لوحاته. فهي تحمل سمات تنم عن بساطة شديدة ووضوح في الطرح، وبراءة تجعل المتلقي يتأمل فيها بطريقة مختلفة عن الاعمال الفنية الاخرى.
فهو ربما يصور شخصيات تاريخية معروفة، ولكنه لا يضع السياق الزمني لتلك الشخصية، ولا سلسلة احداث متتالية، ولا يؤرخ لاي شيء. بل على العكس، تنقلك الفنتازيا الى اجواء مغايرة للتاريخ الذي ينبغي ان تكون عليه وفقا للمنطق. وهل نحتاج الى المنطق، حينما ننتقل من الواقع الحسي الرتيب.. الى عالم طفولي، خيالي، متأمل؟ فتلك كليوباترا تستقل قاربا بصحبة احد ملوك بابل (نبوخذنصر؟) تتوسطهما شمعة يتمايل لهبها الازرق مع نسمات خفيفة ناشرة اجواء الرومانسية البهيجة، بينما يتطلع احدهما الى الاخر في هيام وعشق.. وتساهم السماء في احتفالية الزواج الملكي هذه بارسالها اشرطة تتشكل في شكل زخارف تطرز ارضية اللوحة. ومع ذلك، فان ما يظهر من العاشقين هو رأسيهما فقط، كما تجسدها التماثيل الاثرية المعروفة. ولان اللوحة طفولية، فالحب افلاطوني، اذا لا حاجة الى باقي الجسد. ولكن الفنان يوحي اليك ان الحضارات تتزاوج ايضا، ويتمنى، كما ينبغي للكبار ان يتنموا، ان تتحول احلام الصغار هذه الى حقيقة.. الى مدينة فاضلة خارجة عن الزمن، متجردة عن المكان.
Painting of Ahmed
ولكن المدينة الفاضلة موجودة في لوحة اخرى.. حيث يعيش الناس في وئام وسلام. فالقباب الكبيرة للمسجد في زاوية منها لا تتنافى مع طاحونة هوائية في زاوية اخرى، وربما اشار بناء اخر الى كنيسة، بينما ترسو السفينة الشراعية قرب اطفال يلعبون، والنخلتين في الافق مصدر الخير واستبدال مؤقت للوطن.
لكن الفنان قد يستغرق في الفنتازيا فلا يعود ممكنا تبسيط الامور. والحلم الطفولي يكبر، وينتشر في ارجاء اللوحة.. في تعقيدات والتواءات تمثل محاولة لنسج قصة متسلسلة، لكن الاحداث ليست كذلك. وينشأ الصراع، بين الرغبة الجامحة، وقلة الحيلة.. بين السعي اليومي لاستحصال الرزق، والاستلقاء تحت ظل النخلة وهي ترسل تمراتها. والصبر، عنصر البقاء الذي لا مفر منه، يربط اجزاء اللوحة بروابط زخرفية، هي متاع الحياة الدنيا.. وتنعزل الشخوص وهي تنتظر احدها الاخر، بينما يتربص القارب على الشاطيء عساه ان يظفر بمن يستقله في الرحلة التالية.. الى الارض المباركة، او الجنة الموعودة، او المدنية الفاضلة.

No comments: