منذ نشأته في الكهوف الحجرية، كان الفن وسيلة مهمة للكائن البشري من اجل توثيق احداث يومه، اضافة الى همومه ومخاوفه وآماله. وعلى مر العصور شكل تطور الفن مؤشرا رياديا لتطور الحياة الانسانية ورقي ثقافة المخلوق الاضعف-الاقوى التي أهلته للسيطرة على الكوكب الارضي. ولقد جاهد الفنانون سواء بقصد او بدون قصد لتوثيق الاحداث المهمة التي عاصروها، واصبحت نتاجاتهم مرجعا اساسيا في دراسة الفترة التي عاشوا فيها.
فليس من المستغرب اذا ان يكون هاجس التوثيق حاضرا في لوحات الفنان البابلي ماجد السنجري، هذا الفنان الذي تستغيث لوحاته لنجدة حضارة الثمانية الاف سنة التي ينتمي اليها. وهو يشعر بالاسى للغياب المفاجيء لبعض رموز تلك الحضارة الفريدة اثر تحرير/غزو بغداد. هذا ما تصرح به لوحته (هذا كل ما جرى) من خلال تصوير مجموعة اللصوص الذين نهبوا محتويات المتحف العراقي في الايام الاولى لسقوط بغداد. ورغم ان النهب يتم بدون ادنى رقابة او ملاحقة، الا ان الكل يشعر بالذنب، تهزهم ادنى لفتة، ويحسبون كل صيحة عليهم.. فالكل يلتفت الى مصدر ضوء خفي من زاوية اللوحة، وفي لحظة توقف الزمن، وتسمرت الاجساد وساد هدوء تام في غمرة الحركة. الوجوه مجللة بالخزي للفعل الشنيع، يفضح ذلك التناقض اللوني بين الاسود والابيض نتيجة ومضة الضوء.. وكأن اللوحة تريد ان تقول لنا انهم لصوص، ولكننا نعرفهم. وهم من نسيج هذا المجتمع لانهم يلبسون ارديته التراثية، وهم مذنبون بنفس القدر الذي نحن عليه لاننا لم نمنعهم ولو بومضة ضوء واحدة. ان فعلهم مفضوح لنا كما هو شأن البغي التي علقها الفنان في زاوية اللوحة وهي عارية، لانها كما الحقيقة، لا يمكن ان تحجب الى الابد.
والفنان لايكون دائما بهذا القدر من وضوح الغاية.. فلربما يستعير من مخيلته تداعيات فردية او جمعية ليحشرها في اطار عمل فني، ثم يكدح ليربطها في نسيج متآلف. ففي لوحة (خيوط ذهبية) يصدأ الذهب مخالفا طبيعته الكيميائية، وينشر خيوطا متفرقة في زاويتين متقابلتين لتحتضن وجه جانبي لامرأة تفخر بهذا الكنز، الذي يبدو انه صنيعة الشيطان ذو العين الواحدة. ومع ذلك فان الخير عنصر اولي في طبيعة الانسان، ولذلك فهو مستقر داخل النفس الانسانية على شكل بقعة ضوء ابيض تناضل للتوسع على حساب طبقات من العتمة، ويبشر الفنان بالنصر الوشيك، مع تحول احد هذه الطبقات الى الازرق الفاتح. والشر طاريء، لانه خارج حيز الكائن البشري، وان كان متربعا فوقه. ففي النهاية ستجود تلك المرأة بما تملك من اجل الفقراء، ربما بالوصية؟
ان السوريالية في اعمال الفنان ماجد السنجري هي حدث فريد، واسلوب خاص. ومع ذلك فان لديه القدرة على التواصل اللاواعي مع المتلقي. واذا اردت ان تستغرق في احد تلك السورياليات فستجد نفسك في منطقة الحلم الخاصة بك، لتتحول تداعياتك الى ذاتك في استبطان لذيذ-مرعب، ليس طوعيا تماما، ولكنه بالتأكيد ليس قسريا. وفي لحظة واحدة ستكتشف الحقيقة.. فهي كانت ولازالت وستظل الى الابد داخل كل نفس بشرية، فردية خالصة، وجمعية مشتركة.. ولكنها واحدة لمن يفتح عينيه لرؤيتها.
No comments:
Post a Comment